شهدت الساعات الثماني الاربعون الماضية دفقاً من التطورات الميدانية المتصلة بالثورة الشعبية ضد السلطة السياسية الموضوعة في دائرة الفساد، خالف ما كان سائدا في الايام السبعة والعشرين السابقة فقلب المشهد من سلمي الى عنفي من جانب السلطة. مِن قتل شهيد الثورة علاء ابو فخر الذي شُيِع اليوم في الشويفات الى مجموعات التيار الوطني الحر المسلحة التي غزت منطقة جل الديب امس واطلقت النيران في اتجاه المتظاهرين، وقد اختبأ بعض هذه العناصر في احد الابنية ليخرجهم منها الجيش مساء في سياراته، الى الرد من نفق نهر الكلب، حيث عمد بعض المتظاهرين الى محاولة بناء جدار، ما لبث ان تم هدمه رفضا لاستعادة مشهد قطع اوصال الوطن واعادة عقارب الساعة الى الوراء، وسرعان ما استدرك الحراك فداحة ما اقترفه بعض المتسرعين بردات الفعل، فعمد شباب الثورة الى استقدام غرسات من الزهر والورود وُضعت في المكان تأكيدا على سلمية الحراك ورفض كل اشكال الفرقة بعدما اثبتت مجريات الايام التسعة والعشرين مدى اللحمة بين مختلف ابناء الوطن ونبذ الانقسامات الطائفية والمناطقية التي حاول ترسيخها السياسيون في النفوس للإبقاء على مكاسبهم السلطوية.
مجمل هذه التطورات الدراماتيكية، حضر الجيش اللبناني عنصرا فاعلا فيها من خلال تدخله السريع للجم التدهور ومنع الانزلاق الى ما بعد الخط الاحمر المرسوم للاستقرار الامني. وعلى غرار تعاطيه المقدّر والذي يشكل موضع ثناء من جميع اللبنانيين ولا سيما الثوار الذين شكل لهم درع وقاية ابان الهجمات الهمجية التي تعرضوا لها من المندسين وحماهم بصدور عناصره الابطال، يتطلع المواطنون بعد حادثتي خلدة وجل الديب اللتين استخدم فيهما السلاح، الى ما يثلج قلوبهم ويريحهم الى استمرار المؤسسة العسكرية على حيادها والتزامها العدالة والمساواة وتطبيق القانون على الجميع بسواسية.
فعلى الرفض العارم، من الثوار قبل من لا يشاطرونهم الرأي، لمحاولة بناء جدار رمزي في نفق نهر الكلب امس تعبيرا عن رفض المظاهر المسلحة في جل الديب وتعريض زملائهم للقتل، تقول مصادر متابعة ليوميات الثورة لـ"المركزية" ان محاولة مساواة بناء الجدار بالهجمة المسلحة من عناصر التيار الوطني الحر في جل الديب او قتل الشهيد أبو فخر بدم بارد، هي سعي فاشل لحرف الانظار عن خطورة ما جرى وتعمية على الحقيقة الساطعة التي عاينها اللبنانيون بأم العين. وتعتبر ان اداء المؤسسة العسكرية وطريقة تعاطيها مع حادثتي خلدة وجل الديب سيوضعان تحت المجهر الشعبي رصدا للنتائج. اذ من غير المقبول الا يعاقب من وجَّه السلاح في اتجاه المتظاهرين سلميا في جل الديب واطلق النار عليهم كما من حاول ترهيبهم به ولو انه لم يستخدمه، خصوصا ان من اختبأ منهم في بناء مجاور حظي بحماية عناصر الجيش التي طوقت المبنى منعا لاي احتكاك ثم اخرجتهم لاحقا بطريقة اعتبرها المتظاهرون مستفزة رافعين رايات التيار، وكذلك الامر بالنسبة الى احد ضباط الجيش الذي تم تداول صوره واسمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو يقوم بحركات غير لائقة بيده للمتظاهرين على طريق القصر الجمهوري.
وفيما اعلن الجيش في بيانات متلاحقة انه اوقف قاتل ابو فخر ويتم التحقيق معه لاتخاذ المقتضى القانوني، اكدت المصادر وجوب التعاطي بالمثل مع مجموعات التيار المسلحة التي كادت تتسبب باهراق دم اضافي لو لم تحل العناية الالهية دون اصابة المتظاهرين، بعدما وجه رصاصات بندقيته الحربية في اتجاههم. المؤسسة العسكرية تضيف المصادر، التي تبقى الملاذ الآمن لكل لبناني شريف ورهانه على بناء الدولة القوية امام تحدٍ اساسي لاثبات التزامها بقضية وطن مؤتمنة عليه، بعدما تخلى المسؤولون عن هذا الرهان، والامر دائما سيبقى لها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك