لم يحدث في لبنان، أقله في مرحلة ما بعد الطائف، أن سقط رئيس للجمهورية أو استقال تحت ضغط الشارع.
«الشارع» أسقط حكومات مثلما حدث مع حكومة الرئيس عمر كرامي بداية التسعينيات تحت وطأة «انتفاضة الدواليب»، وحكومة كرامي الثانية في العام ٢٠٠٥ تحت وقع انتفاضة ١٤ آذار وزلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ومثلما حصل الآن مع حكومة الرئيس سعد الحريري الذي قدم استقالته لأسباب عدة، أولها الرضوخ لضغط الشارع والتظاهرات الشعبية الاحتجاجية الواسعة.
وحتى في العام ٢٠٠٥ عندما كان الغضب الشعبي في أوجه، والأزمة السياسية في ذروتها، بقي الرئيس إميل لحود في موقعه وأكمل ولايته الممددة، ولم يسجل أي ضغط شعبي في اتجاهه، ولم يتحرك المتظاهرون باتجاه قصر بعبدا، وإنما حصروا نشاطهم في وسط بيروت الذي كان منقسما آنذاك بين ساحتين وفريقين ٨ و١٤ آذار.
وانصب الضغط الشعبي أولا على حكومة كرامي التي استقالت، وثانيا على النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك الذي اعتقل رموزه الأساسيون (الضباط الأربعة). وأما رئاسة الجمهورية، فإنها «حيدت» وإن لفحتها العاصفة وأبقت الرئيس لحود 3 سنوات في «عزلة».
وحصل هذا التحييد بفعل تدخل مباشر من البطريرك نصرالله صفير القائد الروحي آنذاك للقاء قرنة شهوان والمعارضة المسيحية (في غياب قادتها سجنا أو نفيا)، الذي لم يشأ أن تسجل سابقة سقوط رئيس الجمهورية في الشارع وتحت ضغطه.
ولاحقا وجه أقطاب في قوى ١٤ آذار انتقادا ولوما إزاء موقف البطريرك صفير المدافع عن رئيس الجمهورية باعتباره خطا أحمر، واعتبروا أن عدم إكمال الانتفاضة في اتجاه قصر بعبدا كان من الأخطاء المبكرة التي وقعت فيها قوى ١٤ آذار، إضافة الى خطأ آخر أكثر جسامة، هو التحالف الرباعي الذي هندسه ونسج خيوطه بري وجنبلاط.
اليوم وبعد مرور شهر تقريبا على الانتفاضة الشعبية، يتحول الزخم والعصف الشعبي في اتجاه قصر بعبدا، وتقام ساحة تظاهر واعتصام جديدة على طريقه، وترتفع أصوات وصرخات داعية الى استقالة وتنحي الرئيس ميشال عون الذي دعا المعتصمين الى انتداب وفد لمحاورته والإصغاء الى مطالبهم، ولكن الرد كان بأن المطلوب ليس محاورة رئيس الجمهورية وإنما رحيله.
ولوهلة أولى يبدو تحول الشارع في اتجاه قصر بعبدا عفويا ومؤقتا وردة فعل فورية على المقابلة التلفزيونية للرئيس عون التي لم تهدئ الشارع بقدر ما استفزته، خصوصا ان التطورات على الأرض التي تلتها وكان أبرزها مقتل شهيد الثورة، علاء أبوفخر في خلدة، شحنت الشارع والأجواء والنفوس، وأطلقت العصبيات والانفعالات الشعبية والسياسية من عقالها.
ولكن التقييم السياسي للحراك الشعبي عند الأوساط السياسية القريبة من قصر بعبدا يصل الى نتيجة أخرى مؤداها أن «توجيه» التظاهرات في اتجاه القصر الجمهوري ليس عفويا ولا آنيا، وإنما هو أمر مخطط له ويعلن الانتقال الى المرحلة الثانية للتحرك.
وبعدما كانت المرحلة الأولى ركزت على الحكومة لإسقاطها والتظاهرات تمركزت قبالة السراي الحكومي في ساحة رياض الصلح، فإن المرحلة الثانية تركز على رئاسة الجمهورية والتظاهرات وجهت باتجاه قصر بعبدا.
والهدف يتراوح بين حد أدنى هو ممارسة ضغوط على الرئيس عون واستخدام ورقة الشارع ضده في معركة الحكومة، تكليفا وتأليفا، وبالتالي «كسر شوكة» العهد. وحد أقصى هو دفعه الى الاستقالة، وبالتالي إسقاط العهد.
ولكن ما تؤكد عليه هذه المصادر أن هذه الضغوط لن تؤدي لا الى استقالة رئيس الجمهورية تحت ضغط الشارع، ولا الى حمله على تقديم تنازلات جوهرية في معادلة الحكم والحكومة.
ورئاسة الجمهورية خط أحمر وموقع محصن سياسيا وشعبيا وشرعيا بأكثرية نيابية وبدعم القوتين الأقوى على الأرض: الجيش اللبناني وحزب الله.
هذه الأوساط تلفت الى أن «العهد» كان منذ بدايته موضع محاربة واستهداف من قوى سياسية مشاركة في الحكم، ولكنها لم تشارك في انتخابه أو انتخبته مرغمة وعن غير اقتناع.
وعندما اندلعت الانتفاضة كان التصويب من اليوم الأول على رئيس الجمهورية أكثر من رئيس الحكومة، وطغى المنحى السياسي على المطلبي والعناوين السياسية على عناوين الإصلاح ومكافحة الفساد، وتبلورت لائحة مطالب أو خارطة طريق سياسية على هذا النحو المتدرج: استقالة الحكومة حكومة تكنوقراط انتخابات نيابية مبكرة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وحسب هذه الأوساط، فإن التحركات الشعبية على نطاق واسع فور انتهاء المقابلة التلفزيونية، كانت معدة ومقررة من قوى سياسية وحزبية قبل المقابلة، وبغض النظر عما يصدر عن الرئيس عون من مواقف وتوجهات، وهذه التحركات كان من أهدافها مواكبة زيارة الوفد الرئاسي الفرنسي والتأثير على مناخها.
وفي النتيجة، فإن هذا المنحى الجديد من استخدام الشارع في اللعبة السياسية والعملية الحكومية ينطوي على مجازفة ويرفع من درجة خطورة الوضع مع التحول على الأرض من مرحلة التظاهرات السلمية الى مرحلة الصدامات العنفية، ومع التحول في السياسة من أزمة حكومة الى أزمة حكم ونظام.
«الشارع» أسقط حكومات مثلما حدث مع حكومة الرئيس عمر كرامي بداية التسعينيات تحت وطأة «انتفاضة الدواليب»، وحكومة كرامي الثانية في العام ٢٠٠٥ تحت وقع انتفاضة ١٤ آذار وزلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ومثلما حصل الآن مع حكومة الرئيس سعد الحريري الذي قدم استقالته لأسباب عدة، أولها الرضوخ لضغط الشارع والتظاهرات الشعبية الاحتجاجية الواسعة.
وحتى في العام ٢٠٠٥ عندما كان الغضب الشعبي في أوجه، والأزمة السياسية في ذروتها، بقي الرئيس إميل لحود في موقعه وأكمل ولايته الممددة، ولم يسجل أي ضغط شعبي في اتجاهه، ولم يتحرك المتظاهرون باتجاه قصر بعبدا، وإنما حصروا نشاطهم في وسط بيروت الذي كان منقسما آنذاك بين ساحتين وفريقين ٨ و١٤ آذار.
وانصب الضغط الشعبي أولا على حكومة كرامي التي استقالت، وثانيا على النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك الذي اعتقل رموزه الأساسيون (الضباط الأربعة). وأما رئاسة الجمهورية، فإنها «حيدت» وإن لفحتها العاصفة وأبقت الرئيس لحود 3 سنوات في «عزلة».
وحصل هذا التحييد بفعل تدخل مباشر من البطريرك نصرالله صفير القائد الروحي آنذاك للقاء قرنة شهوان والمعارضة المسيحية (في غياب قادتها سجنا أو نفيا)، الذي لم يشأ أن تسجل سابقة سقوط رئيس الجمهورية في الشارع وتحت ضغطه.
ولاحقا وجه أقطاب في قوى ١٤ آذار انتقادا ولوما إزاء موقف البطريرك صفير المدافع عن رئيس الجمهورية باعتباره خطا أحمر، واعتبروا أن عدم إكمال الانتفاضة في اتجاه قصر بعبدا كان من الأخطاء المبكرة التي وقعت فيها قوى ١٤ آذار، إضافة الى خطأ آخر أكثر جسامة، هو التحالف الرباعي الذي هندسه ونسج خيوطه بري وجنبلاط.
اليوم وبعد مرور شهر تقريبا على الانتفاضة الشعبية، يتحول الزخم والعصف الشعبي في اتجاه قصر بعبدا، وتقام ساحة تظاهر واعتصام جديدة على طريقه، وترتفع أصوات وصرخات داعية الى استقالة وتنحي الرئيس ميشال عون الذي دعا المعتصمين الى انتداب وفد لمحاورته والإصغاء الى مطالبهم، ولكن الرد كان بأن المطلوب ليس محاورة رئيس الجمهورية وإنما رحيله.
ولوهلة أولى يبدو تحول الشارع في اتجاه قصر بعبدا عفويا ومؤقتا وردة فعل فورية على المقابلة التلفزيونية للرئيس عون التي لم تهدئ الشارع بقدر ما استفزته، خصوصا ان التطورات على الأرض التي تلتها وكان أبرزها مقتل شهيد الثورة، علاء أبوفخر في خلدة، شحنت الشارع والأجواء والنفوس، وأطلقت العصبيات والانفعالات الشعبية والسياسية من عقالها.
ولكن التقييم السياسي للحراك الشعبي عند الأوساط السياسية القريبة من قصر بعبدا يصل الى نتيجة أخرى مؤداها أن «توجيه» التظاهرات في اتجاه القصر الجمهوري ليس عفويا ولا آنيا، وإنما هو أمر مخطط له ويعلن الانتقال الى المرحلة الثانية للتحرك.
وبعدما كانت المرحلة الأولى ركزت على الحكومة لإسقاطها والتظاهرات تمركزت قبالة السراي الحكومي في ساحة رياض الصلح، فإن المرحلة الثانية تركز على رئاسة الجمهورية والتظاهرات وجهت باتجاه قصر بعبدا.
والهدف يتراوح بين حد أدنى هو ممارسة ضغوط على الرئيس عون واستخدام ورقة الشارع ضده في معركة الحكومة، تكليفا وتأليفا، وبالتالي «كسر شوكة» العهد. وحد أقصى هو دفعه الى الاستقالة، وبالتالي إسقاط العهد.
ولكن ما تؤكد عليه هذه المصادر أن هذه الضغوط لن تؤدي لا الى استقالة رئيس الجمهورية تحت ضغط الشارع، ولا الى حمله على تقديم تنازلات جوهرية في معادلة الحكم والحكومة.
ورئاسة الجمهورية خط أحمر وموقع محصن سياسيا وشعبيا وشرعيا بأكثرية نيابية وبدعم القوتين الأقوى على الأرض: الجيش اللبناني وحزب الله.
هذه الأوساط تلفت الى أن «العهد» كان منذ بدايته موضع محاربة واستهداف من قوى سياسية مشاركة في الحكم، ولكنها لم تشارك في انتخابه أو انتخبته مرغمة وعن غير اقتناع.
وعندما اندلعت الانتفاضة كان التصويب من اليوم الأول على رئيس الجمهورية أكثر من رئيس الحكومة، وطغى المنحى السياسي على المطلبي والعناوين السياسية على عناوين الإصلاح ومكافحة الفساد، وتبلورت لائحة مطالب أو خارطة طريق سياسية على هذا النحو المتدرج: استقالة الحكومة حكومة تكنوقراط انتخابات نيابية مبكرة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وحسب هذه الأوساط، فإن التحركات الشعبية على نطاق واسع فور انتهاء المقابلة التلفزيونية، كانت معدة ومقررة من قوى سياسية وحزبية قبل المقابلة، وبغض النظر عما يصدر عن الرئيس عون من مواقف وتوجهات، وهذه التحركات كان من أهدافها مواكبة زيارة الوفد الرئاسي الفرنسي والتأثير على مناخها.
وفي النتيجة، فإن هذا المنحى الجديد من استخدام الشارع في اللعبة السياسية والعملية الحكومية ينطوي على مجازفة ويرفع من درجة خطورة الوضع مع التحول على الأرض من مرحلة التظاهرات السلمية الى مرحلة الصدامات العنفية، ومع التحول في السياسة من أزمة حكومة الى أزمة حكم ونظام.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك