في الذكرى السادسة والسبعين على استقلاله، يحتفل لبنان يوم الجمعة في 22 تشرين الثاني، بعرض لا يشبه أيًّا من العروض السابقة.
ففي كل عام، وفي التاريخ ذاته، تفترش عناصر السلك العسكري والأمني الطرقات تحضيراً للعرض العسكري، الذي غالباً ما ينتهي بتقبّل رئيس الجمهورية إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب التهاني على هذه المناسبة التي أفقدتها هذه السلطة الكثير من معانيها.
لكن ما قبل ثورة 17 تشرين ليس كما بعدها.
فالشعب يستثمر كل طاقاته حالياً للحصول على الاستقلال الفعلي من السياسيين وزعماء الأحزاب، الذين احتلوّا البلد بأمواله ومؤسساته ومساحاته وقراراته. ولأوّل مرّة، يستعد اللبنانيون للاحتفال بالاستقلال الحقيقي، بعد أن كانت مجرّد مناسبة تاريخية لا يؤمن بها كثيرون.
وتباعاً لسلسلة النشاطات الثّوريّة السّلميّة، التي بدأت منذ اليوم الأوّل لثورة الشعب على فساد السلطة، وبعد القرع على الطناجر والسلسلة البشرية على طول الساحل، لبنان على موعد مع عرضٍ مدنيٍّ للاستقلال، يعد الأوّل من نوعه في تاريخ لبنان، وذلك بتنظيم من الشعب، واحتفالاً بالاستقلال عن الطائفية والانتفاض على الفساد.
في هذا الإطار، يشرح أحد الثّوار الذين بادروا بفكرة العرض المدني، أن العرض سيضمّ ما يقارب الـ54 فوجاً، وكلّ فوج سيتألّف من 57 شخصاً؛ أي أن العدد الإجمالي المطلوب هو 3078 شخصاً. كما يركّز على تمثيل هذه الأفواج لمختلف الأفراد والمناطق والاختصاصات والقطاعات والقضايا الاجتماعية التي تشكّل محوراً مهماً في المجتمع اللبناني.
يبدأ العرض المدني للاستقلال نهار الجمعة في تمام الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، حيث تتجمّع الأفواج المشارِكة على الخط الساحلي عند الساعة الثانية عشر ظهراً، وتسير حتّى المنصّة الرئيسيّة في ساحة الشهداء التاريخية على وقع النشيد الوطني اللبناني والأغاني الثوريّة، على نحو يرفع كل فوج يافطات تعبّر عنه، أو يرتدي ثياباً خاصةً بالمهنة التي يمثّلها، بينما يرتدي المشاركون قمصاناً بيضاء اللون. وسيتم التدريب على العرض المدني للاستقلال يوم الخميس الواقع في 21 من الشهر الحالي، عند الساعة الثانية بعد الظهر، في الموقع نفسه، وذلك نظراً لضخامة هذا الحدث وللحرص على إنجاحه.
من جهته، يشرح الدكتور وليد عَلَمي، الذي شارك أيضاً في فكرة العرض المدني على صفحته الخاصة على الفايسبوك، أن هذا العرض هو مبادرة رمزيّة جماعية وليس بمبادرة فرديّة؛ فالعديد من الثّوّار صبّوا في الأيام الماضية كل تركيزهم على عيد الاستقلال بسبب رمزيته، وشاركوا فكرة القيام باستعراض مدني، خصوصاً في ظل غياب الاستعراض العسكري استثنائياً، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة.
في السّياق ذاته، تقول المهندسة منى حلاق التي كان لها العديد من المبادرات المدنيّة السابقة في بيروت، والتي تتولّى حالياً التنسيق بين مختلف الأفراد الذين بادروا بهذه الفكرة، أن جماليّة هذا الحدث تكمن بعفويّته، إذ يمكن لكل مجموعة راغبة بالمشاركة أن تشكّل فوجاً مؤلفاً من 50 شخصاً والمشاركة بالاستعراض، مشدّدةً على ضرورة توحيد المطالب خلال الاستعراض، والتركيز فقط على مطلب تشكيل حكومة انتقالية، لأهميته في هذه المرحلة. كما دعت حلّاق كل من لم ينزل إلى الشارع بعد، المشاركة بهذا الحدث الاستثنائي الجامع لكل اللبنانيين، من ضمنهم المغتربين الذين يتحضّرون للمجيء الى لبنان للمشاركة بالعرض المدني، وذلك بمسيرة تتخّذ من مطار بيروت الدولي نقطة إنطلاقها وصولاً الى ساحة الشهداء.
هذه المبادرة الأخيرة من قبل المغتربين، التي تهدف الى تشجيع مبادرة العرض المدني عبر دعم الأهل والأصدقاء في الوطن، وإعطاء الاستقلال معنى جديداً، قامت بها مجموعة من الشباب اللبناني في الإغتراب، الذين يديرون صفحة مغتربين مجتمعين meghterbin mejtem3in على انستغرام وفايسبوك.
وقد نشرت هذه المجموعة دعوةً عامّة لكل المغتربين اللبنانيين الراغبين بالمشاركة في هذا العيد، موفّرةً عنوان البريد الإلكتروني التالي [email protected]
للتواصل معها، بهدف تجميعهم وتوفير أسعار مخفّضة لبطاقات السفر للمجموعات المكوّنة من 15 فرداً وما فوق.
يتّفق الجميع على أن الوقت قد حان لكي نحتفل جميعاً باستقلال فعلي، يعكس جهود وطنٍ ثائرٍ بأكمله. فاستقلالنا بدأ في 17 تشرين الأوّل 2019 عندما اتحد الشعب اللبناني في الشوارع، ووحّد مطالبه ورفع صرخته عالياً في وجه السلطة ومنظومتها الفاسدة؛ وسنكون جميعاً على موعد مع تكليل هذا الاستقلال في ساحة الشهداء الرمزيّة، يداً بيدٍ لنعكس أرقى صورة عن مجتمعنا الثائر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك