باكراً، اصطفّ المودعون بأعداد كبيرة امام المصارف التي عاودت فتح ابوابها أمس بعد إغلاق دام اكثر من أسبوع، إمّا بسبب تراكم المعاملات التي نتجت عن هذه الفترة، وإمّا لسحب مبلغ بالدولار قبل ان تنتهي «الكوتا» المحددة من قبل كل مصرف، وخوفاً من ان تعاود الاغلاق من دون إنذار.
إستأنف القطاع المصرفي نشاطه أمس وسط حماية من عناصر قوى الأمن الداخلي التي انتشرت أمام فروع المصارف. ووسط الضغط الذي تلقّته المصارف امس نتيجة الاقبال الكثيف من العملاء بعد إقفال استمر نحو 9 ايام، لوحِظ انها لم تلتزم جميعها بالتوجيهات العامة المؤقتة التي أقرّها مجلس ادارة جمعية المصارف يوم الاحد الماضي، والتي حددت سقف المبالغ النقدية المُمكن سحبها بمعدل 1000 دولار كحد أقصى اسبوعياً لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار. هذا القرار لم يتم الالتزام به في كل المصارف ما أثار غضب المودعين.
وفق المعلومات، ربطت بعض المصارف المبلغ المسموح سحبه أسبوعياً بحجم الحساب الجاري في المصرف، فيما البعض الآخر حدد سقفاً عاماً للجميع، كما تبيّن انّ المبالغ المسموح بسحبها من المصارف بالدولار الأميركي تراوحت ما بين 300 دولار اسبوعياً و1000 دولار.
كذلك عمدت بعض المصارف الى وضع سقوف على السحوبات بالليرة اللبنانية بحيث حددت المبلغ الاقصى المحدد للسحب من أجهزة الصراف الآلي بمليون ليرة لبنانية في اليوم ومليون ونصف المليون في الاسبوع.
شهدت المصارف، في اليوم الأوّل بعد فتح أبوابها، ضغطاً هائلاً في مختلف المناطق، بحيث استغرق انتظار كل زبون ما معدّله الساعة والساعتين، لكنه لم يسجل حصول أي إشكالات.
وفي السياق، اعتبر رئيس جمعية المصارف سليم صفير أنّ زحمة المواطنين التي شهدتها المصارف أمس مع عودة العمل فيها، «أمر طبيعي نتيجة إقفال المصارف الذي استمر أياماً عديدة».
وأكد صفير في حديث إعلامي أنّ «الحركة المصرفية تسير في شكل طبيعي جداً والأمور تحت السيطرة، خصوصاً مع دخول الخطة الأمنية التي أقرّتها وزارة الداخلية حيّز التنفيذ لتأمين أمن المصارف وفروعها والموظفين، توازياً مع تطبيق إدارات المصارف التدابير الموقتة التي أعلنت عنها جمعية المصارف لتسهيل عمل الموظفين اليومي وتنظيمه وتوحيده في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد».
من جهته، وصف الخبير المصرفي نسيب غبريل الحركة المصرفية انها كانت أهدأ من المرة السابقة، وانّ المعاملات المتراكمة بسبب الاغلاق كانت وراء الازدحام في المصارف، والطلبات متوقعة وأتت من ضمن الاجراءات التي أخذتها جمعية المصارف، والتي لقيت تفهماً من قبل المودعين.
واعتبر غبريل اننا في فترة الفرَص الضائعة اقتصادياً، بسبب تلكؤ السلطة السياسية بتشكيل حكومة رغم كل الاوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية الضاغطة.
ورأى انّ السؤال اليوم يجب ان يوجّه الى السلطة السياسية غير المكترثة للاوضاع المعيشية، والتي تتصرف وكأننا في وضع طبيعي في حين نحن نمر بأزمة ثقة عميقة ما بين القطاع الخاص والمواطن اللبناني من جهة والسلطة السياسية واحزابها من جهة أخرى.
واعتبر غبريل انّ المطلوب اليوم ان تتخذ الحكومة إجراءات سريعة للبدء باستعادة ثقة المواطن والقطاع الخاص.
ورداً على سؤال، قال غبريل: إنّ الاجراءات التي تتخذها المصارف اليوم مؤقتة واحترازية وضرورية، وانّ استمرار هذه الاجراءات منوط بتوجهات السلطة السياسية، فعندما ستبدأ باتخاذ إجراءات بدءاً من تشكيل الحكومة ذات مصداقية تتخذ إجراءات تنعكس صدمة ايجابية على السوق، سيؤدي ذلك الى رفع ثقة المستهلك وثقة القطاع الخاص والمغترب اللبناني والمستثمر وإراحة الاسواق وضَخ سيولة في الاسواق.
وعن التفاوت في سقف السحوبات بين مصرف وآخر، قال: انّ القطاع المصرفي يتعرض منذ أكثر من 6 اسابيع الى إشاعات تطاوله كما تطاول المصرف المركزي لأسباب باتت معلومة لدى الجميع، من وصوليين وانتهازيين وراكبي موجة الحراك.
من جهته، عَزا الخبير المصرفي غسان عياش التفاوت في تحديد سقف السحوبات بالدولار بين مصرف وآخر الى ما سبق وأعلنته جمعية المصارف في بيانها الى أنها ستترك حرية الخيار لكل مصرف، وكيف سيتعامل مع زبائنه والسقوف التي يرتأيها مناسبة.
وأوضح انّ المصارف غير القادرة على التقيّد بسقف المبالغ النقدية التي سبق وحددتها جمعية المصارف بـ1000 دولار أميركي كحد أقصى في الاسبوع، تكون سيولتها بالعملات الاجنبية ضعيفة، لكن هذا لا يعني انّ وضعها خطر لأنّ المركزي لن يترك اي مصرف يتعثّر وسيسنده حكماً متى دعت الحاجة.
وعن تفسيره لبعض البنود التي وردت ضمن توجيهات جمعية المصارف، قال عياش: انّ إعلان الجمعية ان «لا قيود على الاموال الجديدة المحوّلة من الخارج»، إنما يهدف الى جذب الاموال لأنّ كل الاجراءات التي اتخذت تحول دون جذب الاموال الى لبنان، لكنه اعتبر انه وللأسف المخاوف في هذا الاطار تبقى أقوى من التطمين، من خلال التأكيد انّ اي وديعة ستأتي من الخارج ستكون خارجة عن كل قيود.
في السياق، أكد رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج حاج أنّ «المصارف كلها من دون استثناء، التزمت الإجراءات الاستثنائية الموحّدة التي وضعتها جمعية المصارف بالتنسيق والتعاون مع مصرف لبنان».
كما أشار إلى أنّ «القوى الأمنية تواجدت أمام المراكز الرئيسية للمصارف والفروع»، موضحاً أنّها «انتشرت في الفروع الموزّعة في المناطق كافة إنما بنِسَب متفاوتة، من بينها صيدا وطرابلس وبيروت والمتن، وفي بعض المناطق تم تسيير دوريات للعناصر الأمنية».
وقال: «في الإجمال كانت التغطية الأمنية مكتملة 100 في المئة».
وفي ختام اليوم المصرفي، أصدرت جمعية المصارف بياناً أشارت فيه الى انها «أجرت طوال يوم أمس سلسلة اتصالات بمجمل المصارف العاملة في لبنان لمواكبة مجريات الأمور بعد فترة طويلة من الإقفال القسري للقطاع المصرفي. وقد تبيّن بنتيجة هذه الإتصالات أنّ المصارف شهدت على العموم إقبالاً كثيفاً نسبياً من قبل الزبائن الذين تفاعلوا بإيجابيّة مع إجراءات الموظفين، وأبدوا تفهّماً للتوجيهات العامة الموقّتة التي زوّدت بها الجمعية موظفي المصارف يوم أمس الاول من أجل تجاوز الأوضاع الاستثنائية الراهنة».
وشكر مجلس إدارة الجمعية وزيرة الداخلية ريّا الحسن ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان على التجاوب السريع والفعّال مع مطلب الجمعية بتوفير الشروط الأمنية المؤاتية لاستئناف عمل المصارف، واعتبر انّ الخطة الأمنية المنفّذة منذ صباح امس «أشاعت أجواء من الارتياح العام في محيط الفروع المصرفية، ما انعكس إيجاباً على أداء الموظفين وعلى تعامل المواطنين مع مصارفهم».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك