كثير من السياسيين يرفضون تشكيل حكومة «تكنوقراط» أو «اختصاصيين»، بحجّة أنّ هكذا حكومة كانت تصحّ قبل الطائف، حيث كان رئيس الجمهورية يُعَيِّن الوزراء ويُسمّي من بينهم رئيساً (المادة 53 من الدستور القديم). أمّا بعد الطائف، وبعد انتقال السُلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء (المادة 17 من الدستور المعدّل) بات أمر تشكيل حكومة «تكنوقراط» مُتعذِّراً... كذا...
خَلُصَت التعديلات الدستورية التي أُقرّت في 21/9/1990 إلى إعادة توزيع الصلاحيات داخل السُلطة التنفيذيّة، وقضَت بِنقل السُلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء (المادة 17 من الدستور المعّدل) بعد نزعِها من رئيس الدولة.
فاعتبرت المادة 65 من الدستور الجديد، أنّ مجلس الوزراء هو السُلطة التي باتت تخضَع لها القوّات المُسلّحة، وحدّدت صلاحياته بأمور تتعلّق بالحُكم والإدارة، وبأمور أُخرى تشريعيّة.
فالحكومة (أيًّا كان شكلها) وبعد صدور مرسوم تشكيلها، (الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور) عليها التوجّه إلى المجلس النيابي لنيل الثِّقة (الفقرة الثانية من المادة 63 من الدستور) حتى تنطلق في ممارسة صلاحيّاتها كاملة.
وبعد نيلها الثقة، وبالأكثرية العادية (المادة 34 مستور)، تُباشر الحكومة مهمّاتها. وتكون مسؤولة سياسيّاً أمام مجلس النوّاب، بشكل جَماعي وإفرادي، فالمادة 66 من الدستور نصّت على أنّ الوزراء يتحمّلون إجمالاً تبعة سياسة الحكومة، ويتحمّلون إفراديّاً تبعة أفعالهم الشخصيّة.
وبالتالي،
يبقى لمجلس النوّاب الحق:
- بسحب الثقة من أيّ وزير، وإكراهه بالتالي على تقديم استقالته، مع إبقاء الحكومة في السُلطة (المادة 37عطوفة على المادة 68 من الدستور).
- بسحب الثقة من الحكومة برُمّتها، مما يؤدّي إلى اعتبارها مستقيلة حُكماً (الفقرة «و» من المادة 69 من الدستور).
وبالتالي نسأل،
أ - لماذا الخوف من حكومة «تكنوقراط» طالما ستنال الثقة من المجلس النيابي، وستعمل بإشرافه ورقابته، وستكون دائماً عُرضةً للإقالة الفردية لوزرائها، والجماعية لكامل الحكومة؟
ب - لماذا الخوف من حكومة «تكنوقراط» طالما هي مطلوبة لحقبة زمنية محدّدة، ولمهمّة محدّدة «الإنقاذ الاقتصادي» و«التحضير لانتخابات مُبكرة» ولو بالقانون الحالي (44 / 2017)؟
ج - لماذا الخوف من حكومة «تكنوقراط» طالما الدستور لم يُحرِّمها، ومَن سيتولّاها يُفترض أن يكون مِن نُخبة رجالات الوطن، وأكفأهم، وأكثرهم نظافةً للكّف، والصراط القويم؟
كلّ هذه الأسئلة وسواها، تجعل المواطن حائراً، عن حقيقة نوايا أصحاب القرار. فهل في الممانعة خوف على المصير، أم إبعاد لأصحاب الضمير؟
أمّا لجهة ما يتخوّف منه البعض، فإنّ القصد من هكذا حكومة، هو إقصاء حزب سياسيّ مُعيّن... كذا...
فالثابت، أنّ أحَداً لن يَقبل بأيّ إقصاء أو استهداف.
لكن ألَيسَ لهذا الحزب رجالات كالوزير «جميل جَبَق» مثلاً؟
أمّا القول، كيف لحكومة «تكنوقراط» أن تتّخذ قرارات مصيرية (كموضوع النازحين مثلاً) وهي لا تتمتّع بالتغطية السياسية... كذا... لا يستقيم، كون هذه الحكومة (إن شُكِّلَت) ستكون لمدّة محدّدة، ولمهمّة محصورة (الإنقاذ الاقتصادي وإجراء انتخابات نيابية مُبكرة) وسيؤمِّن مجلس النوّاب تغطيتها، بمَنحِها الثقة.
وفي الختام،
آن الأوان لسماع صوت المنتفضين في الشارع.
آن الأوان لتلبية مطالبهم المُحقّة والمشروعة.
وتشكيل حكومة «تكنوقراط» لا يتعارض والطائف، ولا يُحرِّمها الدستور، ولا يستهدف أحَداً ولا يُقصي أيّ فِئة، إنّما يُلبّي رَغَبات شعب افتَرَشَ الطُرُق، دون كللٍ أم مللٍ، ليس لهدف إلّا المُطالبة بأدنى حقوقه.
مُذكِّراً الثوّار بقول للكاتب الأميركي «فريديريك دوغلاس» (1818-1895) (أحد دُعاة التحرير من العبودية، والدّفاع عن حقوق السود) «السُلطة لا تُسلِّم الحقوق، دون أن يكون هناك مُطالبون بها. فهي لم ولن تفعل هذا أَبَداً».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك