كتبت راجانا حمية في "الأخبار":
أخيراً، حذّرت نقابة المستشفيات في لبنان «أولياء الأمر» في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تداعيات توقّف السّلف المالية منذ مطلع العام الجاري. وأعلمت النقابة، في بيانها الأخير، المعنيّين في الضمان بأن استمرار توقف السّلف يعني أنها ستكون «مرغمة» في الفترة المقبلة على عدم قبول موافقات الاستشفاء الصادرة عن الضمان، والطلب من المرضى تسديد فاتورة الاستشفاء كاملة قبل خروجهم من المستشفى.
فتح هذا البيان الباب على قضيّة عالقة في الضمان منذ عام 2011، وهي قضية السّلف المالية التي تحوّلت من مجرّد إجراء موقت لتسيير أمور المضمونين في المستشفيات، إلى إجراءٍ للهروب من تنظيم شؤون الصندوق الغارق في «خطاياه».
آلية جديدة للعمل
في التفاصيل، وفي سردية للسبب الظاهر لتوقّف السّلف المالية الشهرية منذ مطلع العام الحالي، ترجع نقابة المستشفيات في بيانها إلى «عدم إعطاء مجلس الإدارة الموافقة على قرار تجديد السلفات المالية للسنة الجديدة». وهو ما تلفت إليه مصادر إدارة الصندوق، بالإشارة إلى أن المدير العام أحال الكتاب إلى مجلس الإدارة لتجديد القرار «والموضوع عنده».
في مقابل تلك السردية، يبدو أن لمجلس الإدارة تفسير آخر لما يجري. فبالنسبة إلى الأخير، لم يعد الأمر يحتمل الإبقاء على تلك الصيغة التي تتكرّر سنوياً والتي تتجلى «بتحويل الكتاب من المدير العام للصندوق إلى مجلس الإدارة ليوافق عليه لتأمين سير السلف»، وإنما يحتاج إلى إعادة دراسة بطريقة أخرى «أقرب إلى الجذرية».
ترفض مصادر في المجلس أن تكون في موقع «من يضعنا في مواجهة مع الناس أو وضعنا أمام الأمر الواقع، من خلال القول إن عدم توقيع السلف يعني حرمان المرضى من الاستشفاء». بالنسبة إليها، يتعلّق الموضوع بإعادة تنظيم العلاقة مع المؤسسات التي تقدّم الخدمات الصحية للمضمونين من خلال إقرار آلية جديدة تسقط المؤقت المعمول به منذ 12 عاماً.
ثلاثة أسباب لإعادة النظر
وفي هذا السياق، نوقش بند سلف المستشفيات الشهرية للمرة الأولى في جلسة مجلس الإدارة قبل ثلاثة أيام، والذي اعتبر فيه معظم الأعضاء أن هذا الإجراء «غير نظامي وغير قانوني». وقد انطلق الأعضاء في تقييمهم هذا من ثلاث نقاط أساسية، أوّلها أن هذا الإجراء أسهم في «تخريب حسابات الضمان كما المستشفيات، فلا الأول يعرف ما له في ذمة المستشفيات، ولا الثانية تعرف ما لها على الضمان، وكان الأمر يتمّ بتسديد دفعة على الحساب فيما يبقى موضوع تصفية المعاملات مجمّداً». الأمر الثاني، فيتعلق «بعدم عدالة هذه السلف وما يتبع ذلك من انعدام للشفافية والاستنسابية في الدفع». أما ثالث الأسباب وأهمها فهو التغاضي «المتعمّد»، وفق بعض الأعضاء، عن تطبيق الربط الإلكتروني في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والذي يسهم في تصفية المعاملات إلكترونياً، وكان من المفترض أن يُنجز في عام 2009.
مصالحة نظامية
وقد استعاد الأعضاء سيرة هذا النظام المتوقف تنفيذه من دون أسباب واضحة في الجلسة الأخيرة، حيث بادر عادل عليق، وهو أحد أعضاء المجلس، وكما هو مدوّن في محضر الجلسة الماضية، إلى اقتراح «تصفية حسابات المستشفيات العالقة منذ سنوات وحتى عام 2022 على أساس المصالحة النظامية، وهي إجراء مسموح بالقانون، وتقرير حسم معين على طريقة ما تفعله وزارة الصحة لتصفية كامل الحسابات، على أن نبدأ منذ مطلع العام الحالي بإجراء تصفية نظامية للملفات والحسابات».
وعرضت في الجلسة أيضاً مطالعة كان قد تقدّم بها أمين السر الأول في المجلس، غسان غصن، دعا فيها إلى إعادة تنظيم العلاقة بين الصندوق ومقدّمي الخدمات، لا سيما القطاع الاستشفائي بما يضمن «استقامة تلك العلاقة» استناداً إلى قانون الضمان والنظام الطبي. وطالب من خلالها بدعوة اللجنة الطبية الاستشارية العليا لدرس الكلفة الفعلية للطبابة والاستشفاء واقتراح تعرفة جديدة للأعمال الطبية والاستشفائية، على أن يجري بناء عليها دعوة الأطباء والمستشفيات والمراكز الإشعاعية والمختبرات إلى تجديد التعاقد مع الصندوق على أساسها. وهذا يفترض حكماً إعادة النظر في نسب الاشتراكات وتقويم الأجور والرواتب، على أن يترافق ذلك مع تنفيذ إدارة الضمان للقرارات المتلاحقة والمتعلقة بإعداد دفتر شروط خاص لإجراء مناقصة الربط الإلكتروني ما بين الصندوق والمستشفيات والصيدليات.
وعطفاً على كلّ ذلك، من المفترض أن يُجرى اجتماع لمجلس إدارة الصندوق، اليوم، لمناقشة المقترحات المطلوبة والبناء على الشيء مقتضاه، فإما أن تَسقط السّلف وإما أن تُسقِط السّلف كلّ ما سبق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك