كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
تحوّل عمل المخاتير في لبنان الى تطوّع ومشقّة في ظلّ الأزمة المتشعّبة، ولكنّ "المخترة" اليوم مع كلّ تحدّياتها هي مفخرة كبرى، حتى بات المخاتير في زمننا أقرب الى شؤون وشجون الناس وأكثر إنتاجية من بعض كبار موظفي الدّولة وحتّى النواب.
يبدأ يوم المختار باكراً جدّاً، يفتح هاتفه، عشرات الرّسائل تردُه من أرقامٍ يعرف بعضها ويجهل البعض الآخر. معاملاتٌ مستعجلة، أسئلة، إستفسارات واستشارات ومواعيد للزيارات، "الكلّ بدّو المختار" من ساعات الصباح الأولى وحتى انقضاء النهار. فكيف أثّرت الأزمة على عمل المخاتير؟ وهل "المخترة" وظيفة أم هي عملٌ تطوّعي؟
يتخطّى عمل المختار تحضير الطلبات والمعاملات الرسميّة لأبناء وسكّان بلدته، إذ تلعب شخصيّة الشخص المنتخب دوراً كبيراً في عمله ويُنتظر منه أن يكون مُرشداً وناصحاً وأن يُشارك في المناسبات الاجتماعيّة وأن يجمع المُتخاصمين ويتفرّغ لهموم الكبار والصّغار وأن تكون أبواب منزله مشرّعة أمام الجميع، وفي بعض البلدات لا يدخل عناصر الأمن الى المنازل من دون وجود المختار. كلّ هذا، في وقتٍ يتقاضى فيه بعض المخاتير مبالغ رمزيّة مقابل أتعابهم، مبالغ لا يحدّد قيمتها أيّ قانون. ومع الانهيار الكبير الحاصل، ضربت الأزمة في الصميم عمل المخاتير الذين يواظبون على خدمة الناس رغم الإضراب الذي يشلّ القطاع العامّ، ما يُراكم الملفات والمعاملات خصوصاً مع حضور الموظفين الى دوائر النفوس ليوم أو يومين في الأسبوع فقط.
يختصرُ مختار بلدة برمانا المتنية رياض بشارة أبرز ما يعاني منه المخاتير في لبنان من تحدّيات، قائلاً: "المشكلة الأكبر هي أزمة الطوابع، فالمواطن بات يُعاني للحصول على طوابع إذ إنّ طابع الـ1000 ليرة مثلاً أصبح يُباع في السوق السوداء بـ100 ألف ليرة ما يعني أن إخراج القيد يُكلّف في بعض الأحيان مليوني ليرة، أضف الى ذلك المصروف الكبير للمخاتير من إيجار مكاتب ودفع فواتير كهرباء ومولّد وطباعة أوراق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم المخاتير يتفرّغون لعملهم ما يحرمهم من أيّ مدخول آخر"، كاشفاً، في حديث له مع موقع mtv أن "المعاملات الأكثر طلباً هي إخراجات القيد وإفادات السّكن، مع العلم أنّ وثائق الطلاق الى ازدياد"، ومطالباً "بتخصيص راتب للمختار في لبنان تماماً كباقي موظّفي الدّولة"، مع الإشارة الى أنّ المختار يتقاضى تعويضاً قدره مليون ونصف مليون ليرة عن كلّ سنة عمل يحصل عليه مع انتهاء ولايته، ولكن، ومع انهيار العملة الوطنية، لا قيمة فعلية لهذا المبلغ.
ألا تُضربون عن العمل؟ سَأَلنا المختار الذي يعجّ مكتبه بأبناء بلدته، فيُجيب بابتسامة: "المسؤوليّة وحبّ خدمة الناس هما دافعي للاستمرار في عملي رغم كلّ التحديات، كيف يمكن للمختار أن يترك أبناء بلدته خصوصاً في ظلّ هذا الوضع الصّعب؟ محبّة الناس هي أهم مردود بالنسبة لي، ولكنّ عملنا اليوم هو تطوّعي بامتياز".
يترك المختار مكتبه في وقت المغيب، يحمل في حقيبته بعض الأوراق والكثير من القصّص الحزينة والسّعيدة. كيف لا وهو حافظ أسرار الجميع، يحتفظ بصورهم، يُخزّن معلوماتهم، ويرافقهم في محطات حياتهم من الولادة حتى الوفاة. كلمتان تختصران الحياة بوثيقتين. فمن يوفي هذا الجندي المجهول الذي يُحارب الأزمة بأوراقٍ وختمٍ حقّه؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك