كتبت مجلة "طاقة الشرق":
وسط ظلام الإنهيار المناخي في العالم، والإنهيار السياسي والإقتصادي في لبنان. تبرز محمية أرز الشوف، كبقعة ضوء تتلألأ فيها أشعة حماية البيئة وإحياء التنوع الإيكولوجي، ممزوجة بأضواء تنمية المجتمعات المحلية وإحياء الإرث الحضاري والثقافي. وتطوّرت المحمية بشكل سريع، لتتعدّى الدور البيئي التقليدي، لتلعب دور الرافعة للتنمية الاقتصادية والمجتمعية في القرى المحيطة بها، والتي تضم نحو 120 ألف نسمة.
مدير محمية أرز الشوف الطبيعية نزار هاني شدّد في حديث لمجلة "طاقة الشرق" على أن مبدأ إدارة المحميات في العالم قائم على الشراكة مع المجتمع المحلي، وخصوصاً محميات المحيط الحيوي التي تتبع لبرنامج لدى اليونيسكو، يحمل إسم "الانسان والمحيط الحيوي". ويقوم على مشاركة الناس بإدارة الموارد الطبيعية، وإحياء التراث الطبيعي والاجتماعي المرتبط به والموجود منذ مئات السنين، واختيار ما هو مستدام منه للحفاظ عليه أو إعادة إحيائه.
زراعة وسياحة وبيئة
وانطلاقاً من هذا المبدأ، توسّعت المحمية في مشاريعها التي توزعت على 3 قطاعات أساسية، بحسب هاني، وهي:
1. المشاريع المرتبطة بإعادة تأهيل النظم الإيكولوجية. ويركز هاني بشكل خاص على الوقاية من الحرائق من خلال عمليات تنظيف وتشحيل الغابات لخلق الممرات العازلة. ما يعود بمنافع مباشرة على المجتمعات المحلية من خلال فرص العمل أو المواد الصادرة عن إدارة الغابات كالحطب أو "الكمبوست" وغيرها.
2. المشاريع الزراعية، لا سيما تشجيع الزراعة المستدامة في كل القرى المحيطة بالمحمية. وخاصة في المنطقة العازلة التي تفصل ما بين قلب المحمية أو منطقة الحماية وبين منطقة التنمية. حيث يجري العمل على إعادة تأهيل المدرّجات وزراعتها بالأنواع المناسبة والأكثر صداقة للبيئة. مع الاهتمام بسلسلة القيمة الكاملة أي الانتاج الزراعي السليم والتسويق المحلي للمحاصيل الزراعية أو تعليبها وتحويلها الى "مونة".
3. المشاريع السياحية، خصوصاً وأن هذه المنطقة أصبحت معروفة كوجهة للسياحة البيئية. خاصة لأنشطة المشي بالطبيعة حيث تم تأهيل شبكة من الدروب تصل الى 500 كلم. كما انتشرت بيوت الضيافة في كل القرى. ووصل عددها إلى 28 بيتاً، والفنادق الصغيرة وغيرها من المؤسسات التي تقدم خدمات الأكل والشرب والمنامة. وتتكامل الأنشطة السياحية مع أنشطة التوعية البيئية وإعادة تأهيل النظم الإيكولوجية. وعدد كبير من المؤسسات الصغيرة تنظم أنشطة للطلاب والأهالي تخدم هدفي الترفية والتوعية. وتبعاً لذلك، فقد تجاوز عدد زوار المحمية 120 ألف زائر سنوياً.
المداخيل "ضرب 3"
نجحت المحمية بأن تصبح رافعة للاقتصاد المحلي ومصدراً لدخل عدد كبير من العائلات. حيث أعلن هاني أن مدخول بيوت الضيافة وحدها لعام 2022 بلغ حوالى 1.3 مليون دولار. إضافة الى أن كمية المنتجات التي تباع في المحمية كبيرة جداً ومدخولها كبير أيضاً على مستوى المنتجين والمزارعين والنحّالين وغيرهم. وهنا يتحدث هاني عن إجمالي خدمات النظم الإيكولوجية التي تقدمها المحمية والتي تشمل المياه والسياحة والتنمية، كاشفاً أنه "في آخر دراسة أجريت في العام 2015 كانت قيمة هذه الخدمات 19 مليون دولار. وتوقع أن يقفز المبلغ في العام 2024 بمعدل 3 أضعاف، كونه بات لدينا معامل كبيرة لتعبئة المياه، ومؤسسات أكبر تستقبل الزوار ومؤسسات أكبر لانتاج "المونة" والمحاصيل الزراعية.
بين البترون والشوف
كانت محمية أرز الشوف هذا الصيف وجهة قصدها السياح والمغتربون، وكان الموسم واعداً جداً، كما قال هاني، بعد صعوبات السنوات الأربعة الماضية. ويضيف: "نتوقع أن يوازي هذا العام عدد الزوار العام 2019، فخلال الشهرين الأساسيين في تموز وآب كانت الحجوزات مقبولة، ولكن الأهم أن موسم السياحة لم يعد يرتبط بشهرين فقط إنما يمتد الى الخريف الذي تستقبل فيه المحمية زواراً من المدارس والمؤسسات. إضافة إلى أعداد متزايدة من السائحين الأجانب لا سيما من أوروبا". ويشير إلى أن وزارة السياحة توقعت أن تشهد منطقتي البترون والشوف الحركة الأكبر هذا الخريف. ويقول مدير محمية أرز الشوف: "بالفعل بدأنا نلمس هذا الأمر، فنسبة الحجوزات عالية جداً مقارنة بالسنوات الماضية. هذا إضافة طبعاً الى الشتاء والنشاط السياحي خلال موسم الثلوج".
المحمية... وأهلها
ما سرّ تطور محمية أرز الشوف وتميزها؟ يجيب هاني: "الأسباب عديدة ومتشابكة بين طبيعية واجتماعية وسياسية وإدارية. ولكن أعتقد أن أهم سبيين هما: أولاً الاحتضان من قبل القوى السياسية والشخصيات المحلية، ما يوفّر الدعم المعنوي والمادي ويمنع التعديات. ويأتي في مقدمتهم النائب السابق وليد جنبلاط حامل لواء حماية وتطوير المحمية منذ البداية".
أما السبب الثاني، يضيف نزار هاني، فهو وجود حزام من الأهل يتجاوز عددهم 120 ألف شخص متواجدين في محيط المحمية من كل الجهات. وهم متعاونون وداعمون لوجود المحمية وحريصون عليها على كافة المستويات. ويؤكد أن وجود فريق إداري وتقني وعلمي هو عامل أساسي في تطور المحمية، ولكن معروف عالمياً ان أساس تطور المحميات هو أهلها. فإذا كان المجتمع المحيط بأي محمية غير متعاون وغير منخرط بشكل فعلي وعملي، فسيكون هناك صعوبة في حمايتها وتطويرها.
وعل الجبل
قصص كثيرة تستحق التوقّف عندها داخل المحمية، ومنها وعل الجبل في رحلة عودته الى جبال لبنان قريباً جداً... فما قصته؟
يتكامل وعل الجبل مع كل السياق السابق، كما يقول هاني، "فوعل الجبل إنقرض منذ مئة عام، ونعيده من ضمن خطة إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية، والحدّ من هجرة الغابات الى ارتفاعات أعلى. ونحاول إعادة التوازن البيئي إلى تلك المناطق وإعادة تشجيرها بالأشجار المناسبة ومنع تصحّرها، وإعادة تكوين البيئة الجبلية كما كانت عليه سابقاً، وبالتالي نحافظ على وجود عشرات الأنواع من والنباتات والحيوانات والزواحف. ويوضح أن موطن هذا الحيوان سيكون "فوق خط الشجر الحالي، أي في الأماكن المرتفعة التي تقع (1800 متر فوق سطح البحر). وهو يشكل جزءا مهماً في السلسلة الغذائية الموجودة في المحمية".
ويضيف هاني: "وعل الجبل مصنّف ضمن الحيوانات المحمية بموجب خطط الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، التي تهدف إلى إعادته الى الأماكن التي انقرض فيها. وهناك تعاون بين لبنان والأردن في هذا المجال، حيث قمنا في العام 2017، بجلب 12 وعلاً، وارتفع العدد حالياً إلى 30 . وسيتم إطلاق أول مجموعة منهم في الربيع المقبل. بعد أن بات لدينا الخبرة اللازمة والمعدات والأطواق الالكترونية لمراقبتهم".
يختم نزار هاني حديثه، بدعوة كل الأهالي والقاطنين حول الغابات والأحراج والأراضي المحمية للحفاظ عليها. لأن القضاء على الطبيعة هو خطأ لا عودة عنه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك