أشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى "انّنا يوم الخميس الماضي قمنا بزيارة مدينة صور، وقد فرح بها الرّأي العام الدّاخلي والخارجي وتوسّم بها خيرًا وطنيًّا"، موضحًا أنّ "الزّيارة حُصرت بمدينة صور، حيث التقينا المرجعيّات الرّوحيّة الجنوبيّة والقائد الأعلى لليونيفيل. ومن خلال هذه المرجعيّات، أعلنّا تضامننا مع كلّ أهلنا في الجنوب".
وأضاف البطريرك الراعي، في عظة قدّاس الأحد في بكركي، أنّه "نُظّمت 5 محطّات، الأولى في الكاتدرائيّة المارونيّة، الثّانية في كاتدرائيّة الرّوم الملكيّين الكاثوليك، الثّالثة في كاتدرائيّة الرّوم الأرثوذكس، الرّابعة في دار الإفتاء للطّائفة الشّيعيّة، والخامسة في دار الإفتاء للطّائفة السّنيّة. وختمنا الزّيارة في مدرسة قدموس للأباء المرسلين الموارنة".
كذلك، شدّد الرّاعي على "أنّنا من هذه الأمكنة، حيّينا أهالي الجنوب الأعزّاء في مدنهم وقراهم، على الرّغم من الغصّة في القلب، بسبب القصف الإسرائيلي الدّائم على هذه البلدات، وعيش أهاليها في قلق مصيرهم"، وتابع: "قلنا للأهالي إنّ تضامننا معهم يشمل كلّ حاجاتهم، وأوّل صرخة نطلقها معهم: نحن لا نريد حربًا تدمّر بيوتنا وتقتل أطفالنا وتهجّرنا".
وقال: "حكام الدول الذين يمدّون المتحاربين بكلّ ال:أسلحة الهدامة، قلوبهم من حجر، وهذه حال المجلس النيابي عندنا الذي يخالف المادة 49 من الدستور".
وجاء في العظة:
"تمّم الله وعده لزكريّا الكاهن المسنّ عندما بشّره منذ تسعة أشهر بأنّ صلاته استُجيبت، وامرأته إليصابات العاقر والمتقدّمة في عمرها ستلد ابنًا، تسميّه يوحنّا (راجع لو 1: 3). في الواقع "لـمّا حان زمن أليصابات لتلد، ولدت ابنًا سموّه يوحنّا" (لو 1: 57 و 63). نحتفل في هذا الأحد بعيد مولد يوحنّا المعروف "بالسابق" لأنّه يسبق ميلاد يسوع كالفجر قبل بزوغ الشمس، "وبالمعمدان" لأنّه جاء يُعمّد بالماء للتوبة، ويهيّء "للمعموديّة بالروح القدس والنار"، على يد "الآتي بعده وهو أقوى منه" (متى 3: 11)، يسوع المسيح. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا محتفلين بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وبتكريم القدّيس يوحنّا المعمدان في ذكرى مولده. وأوجّه تحيّةً خاصّة لنسيبنا العزيز سعيد أبو شقرا وعائلته، فيما نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفوس والديه توفيق وشهباء، وشقيقته هدى، ملتمسين من الله الراحة الأبديّة لهم في السماء والعزاء لأسرتهم. تنكشف لنا في مولد يوحنّا ثلاثة: أمانة الله لوعده، التعاون مع الإنسان لتحقيق تصميم الخلاص، رحمة الله الّلامتناهية.
تجلّت أمانة الله في الوعد لزكريّا وإليصابات، وفي تحقيق هذا الوعد. وستتجلّى أمانته لوعوده في يسوع المسيح إبن الله المتجسّد لخلاص الجنس البشريّ، مفيضًا "النعمة والحقّ". أمانة الله يقابلها إيمان الإنسان. يشرح بولس الرسول ذلك بكلمة "آمين"، أي "نعم" أو "حقًّا": جميع مواعيد الله هي في المسيح نعم، وقد تحقّقت. والله أمين في وعده. وبالمسيح أيضًا نقول لله "آمين" إكرامًا لمجده، حقًّا نؤمن بما تقول (2 كور 1: 20). وهكذا أصبحت لفظة آمين الآراميّة، المستعملة في الليتورجيّا، تعني في آن أمانة الله المتجليّة في يسوع المسيح الذي يسمّيه يوحنّا الرسول في الرؤيا "الآمين أو الشاهد الأمين الصادق، بدء خليقة الله" (رؤيا 3: 14)، وإيمان الإنسان بوعد الله وكلامه، وثباته في الرجاء والحبّ. يتعاون الله مع الإنسان لكي يحقّق وعده وأمانته. فإذا تجاوب الإنسان مع الله، تحقّق تصميمه الخلاصي في التاريخ بشكل منتظم، وتمّت وعوده في أوانها. زكريّا وأليصابات وابنهما يوحنّا مثال حيّ لهذا التعاون. كذلك مريم ويوسف ويسوع هم المثال بامتياز. فمريم التي عصمها الله من الخطيئة الأصليّة الموروثة من خطيئة أبوينا الأوّلين آدم وحوّاء، وعُصمت هي نفسها من كلّ خطيئة شخصيّة بفضل النعمة التي ملأتها، قدّمت ذاتها وهي عذراء ليأخذ منها إبن الله جسدًا بشريًّا لخلاصنا، هو يسوع المسيح. ويوسف البتول خطّيب مريم لبّى الدعوة الإلهيّة ليكون أبًا شرعيًّا مربيًّا ليسوع وزوجًا لمريم الكليّة القداسة. كلّ إنسان مؤمنٍ حقًّا مدعوّ ليتعاون الله معه في تحقيق مشيئته في التاريخ، ومدعوّ بالتالي ليلتمس من الله النور الملهم لإكتشاف إرادة الله فيه وعليه. باختيار اسم "يوحنّا" للمولود في بيت زكريّا، كـما أعلنه الملاك، أظهر الله أنّ الرحمة هي صفته الأساسيّة، وأنّها تغمر الإنسان في كلّ حالات حياته. "فيوحنّا" بالعبريّة يعني "يهو حنان" أي "الله رحوم". بالوقوف على معنى الرحمة في الكتب المقدّسة نجد أنّها تحمل معنيين متكاملين ومتلازمنين: الأوّل، أمانة الله لذاته (حِسِد) أي إنّ محبّة الله لشعبه وللإنسان شديدة خارقة تتغلّب على الخطيئة والخيانة؛ الثاني، محبّة الله الفريدة والمجّانيّة (رحاميم). هذه اللفظة تعني في الأصل محبّة الأمّ النابعة من الرحم، من أحشائها، والناشئة عن الرباط الوثيق الذي يشدّ الأمّ إلى طفلها. إنّها مشاعر الطيبة والحنان وطول الأناة والشفقة والمسارعة إلى الغفران (البابا يوحنّا بولس الثاني: في الرحمة الإلهيّة، 4).
الخميس الماضي قمنا مع صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وعدد من السادة المطارنة، وممثلّي البطريركين الآخرين، ورؤساء عامّين ورئيسات عامّات، بزيارة مدينة صور باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، فرح بها الرأي العام الداخلي والخارجيّ، وتوسّم بها خيرًا وطنيًّا. حُصرت الزيارة بمدينة صور، حيث التقينا المرجعيّات الروحيّة الجنوبيّة والقائد الأعلى للقوّات الدوليّة الجنرال Lazaro، ومن خلال هذه المرجعيّات أعلنّا تضامننا مع كلّ أهالي الجنوب. ولهذا نُظّمت خمس محطّات: الأولى في الكاتدرائيّة المارونيّة، والثانية في كاتدرائيّة الروم الملكيّين الكاثوليك، والثالثة في كاتدرائيّة الروم الأرثوذكس، والرابعة في دار الإفتاء للطائفة الشيعيّة، والخامسة في دار الإفتاء للطائفة السنيّة. ومن هذه الأمكنة حيّينا أهالي الجنوب الأعزّاء في مدنهم وبلداتهم وقراهم. على الرغم من الغصّة في القلب بسبب القصف الإسرائيلي الدائم على هذه البلدات، وعيش أهاليها في القلق على مصيرهم وأمنهم، عشنا فرح العائلة اللبنانيّة الواحدة في تنوّعها. وقلنا للأهالي أنّ تضامننا معهم يشمل كلّ حاجاتهم. وأوّل صرخة نطلقها معهم: "نحن لا نريد حربًا تدمّر بيوتنا وتقتل أطفالنا وتهجّرنا. لقد وقعت في قلبنا صرخة أهالي رميش ودبل وعين إبل والقوزح وعيتا الشعب، الذين نحيّي صمودهم. الرحمة حاجة جيلنا الذي يعاني من تجريد الإنسان من إنسانيّته ومن طغيان الظلم والإستبداد والكيديّة، وإفراغ القلب من العاطفة، وجعله قلبًا من حجر. هذه حال حكّام الدول الذين يغذّون المتحاربين بجميع أنواع الأسلحة الهدّامة والإباديّة، كما نشهد في الحرب على قطاع غزّة، والحرب على أوكرانيا وسواهما. وهذه حال المجلس النيابي عندنا، الذي ينتهك المادّة 49 من الدستور ولا يتنخب رئيسًا للجمهوريّة، ويمعن بالتالي في إسقاط المؤسّسات الدستوريّة، وتعطيل عمل الإدارات العامّة، والعيش في حالةٍ من الفوضى، وإفقار الشعب وإرغامه على هجرة وطنه، وتفاقم الأزمة الإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة. بالمقابل نحيّي اللبنانيّين وسواهم الآتين بأعداد كبيرة إلى لبنان للإحتفال مع أهلهم وأنسبائهم بالأعياد الميلاديّة. إنّهم بذلك يظهرون وجه لبنان الحقيقي الصامد من دون سلاح.
الرحمة تولّد السلام في القلوب وبين الناس. ليست البطولة في إشعال الحرب بواسطة أسلحة فتّاكة لا قلب لها ولا عقل، بل البطولة في صنع السلام. الحرب تهدم وتقتل بقوّة الحديد والنار، أمّا السلام فيُبنى بمحبّة القلب ونور العقل بالحقيقة. الحرب تستهلك الأموال الطائلة من أجل لا شيء، أمّا السلام فيُطعم الملايين من الجياع. الحرب تنبع من كبرياء الحكّام ومصالحهم الظالمة، أمّا السلام فمن قلب الله. مولد يوحنّا فجرٌ يبشّر بطلوع شمس الرحمة التي أصبح لها اسم في تاريخ البشر، هو يسوع المسيح. فلنُصلِّ لكي يملأ الله قلوبنا وقلب كلّ إنسان بالرحمة، فتكون ثقافتنا في عيش الأخوّة الإنسانيّة الشاملة، وفي تماسك العائلة البشريّة التي أصبح عضوًا فيها بل رأسًا ربّنا يسوع المسيح الذي له المجد والتسبيح مع الآب والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك