انعقدت في الجامعة الأميركية في بيروت، ضمن فعاليات مشروع "لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية"، الندوة الثانية من مسار الحوكمة والسياسات، تحت عنوان "بين الحوكمة والاقتصاد". تضمّنت الندوة جلستين متتاليتين بإدارة الكاتبة والصحافية في صحيفة النهار، سابين عويس، التي افتتحت الندوة بالإشارة إلى أنّ "المئوية الأولى اتسمت في نهايتها بفشل نموذج لبنان وسقوط دوره وانهيار المقاربة الاقتصادية التي حكمته على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وأنّ بداية المئوية الثانية لا تبشّر بالخير، وسط المنافسة القوية وتطور دول المنطقة التي كان لبنان يشكل صلة الوصل لها مع الغرب، فضلًا عن اضطلاعه بدور مستشفى العرب وجامعتهم ومصرفهم." واعتبرت عويس أنّ "أهمية هذا المؤتمر تكمن في تركيزه على المستقبل، لأن المشكلة الكبرى التي نواجهها اليوم تتمثل بالاعتراف بالفشل والعيش في الماضي وتقاذف المسؤوليات، وصولًا إلى التكيّف مع الأزمة والقبول بواقعها. فلبنان الدولة والشعب لميتعلم من تجاربه وما زلنا حتى اليوم نعيشفي بلد يفتقد إلى الرؤية والإستراتيجية والسياسات العامة."
وقد دار النقاش في الجلسة الأولى حول حوكمة القطاع المالي والنقدي، حيث تحدث الخبير الاقتصاديّ، الدكتور توفيق كسبار، الذي تطرّق إلى الانهيار المصرفي الذي حدث في لبنان مؤكّدًا أنّ هذا الانهيار هو "الأكبر في العصر الحديث، وإلى اليوم لا يوجد تفسير رسمي ولا حتى علمي لما حدث، وأنّ السردية التي يتفق عليها رجال السياسة، بأنّ الناس أودعت أموالها بالمصارف، والمصارف أودعتها بمصرف لبنان، والدولة هي التي أخذت الأموال،وبالتالي هي مسؤولة عن رد هذه الأموال، هي سردية خاطئة، لأنّ كل ما أعطاه مصرف لبنان للدولة هو فقط خمسة مليارات دولار. لذا فإنّ تحديد المسؤولية لا يمكن أن يحصل إلا بالتحقيق والبحث عن المسؤولين عن هذا الانهيار." وفيما خصّ تقرير ألفاريز أند مارسال اعتبر كسبار أنّ التعتيم عليه هو "بسبب الخوف ممّا يحتويه"، وقد حمّل مسؤولية الانهيار لكل من الدولة ومصرف لبنان بنسبة 40 بالمئة، والمصارف بنسبة 40 بالمئة، والمودعين بنسبة 20 بالمئة.
أما الجلسة الثانية فتمحورت حول كيفيّة التكيّف إيجابًا مع الأوضاع المتغيّرة، وكان المتحدث فيها الدكتور كمال حمدان، الباحث الاقتصادي والمدير التنفيذي في مؤسسة البحوث والاستشارات، الذي شدّد على أنّ "ثورة التكنولوجيا غيّرت العالم وأنّ هنالك اقتصادًا مأزومًا وجنوحًا نحو التطرف" كما لفت حمدان إلى أنّ "التفتيت الذي بدء مع حروب الخليج والغزو الأميركي للعراق، أدّى إلى ظهور ظاهرة الدول الإقليمية الكبرى كإسرائيل مثلًا." معتبرًا أنّ "الحرب الأهلية كانت بسبب الخوف من أن يتحوّل لبنان إلى دولة صناعية كبرى. أمّا اليوم فقد انتهى دور لبنان بصفته مستشفىً ومطارًا ومدارس وجامعاتٍ للشرق." وختم حمدان الندوة بالقول "إنّ بناء الدولة المدنية المحصّنة بهويتها الوطنية وبسيادتها على قرارها هو ضرورة أساسية لإعادة بناء الاقتصاد. كما أنّ أيّ تغيير لا يمكن أن يحدث دون قوانين إصلاحية تراعي الشأن الاجتماعي وموضوع إعادة الضمان وسوق العمل ودون تغيير هذه الطبقة السياسية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك