كتبت روزين الشّدياق:
ألفان وثلاثٌ وعشرونَ سنةً تَفصِلُ بين رحلة اللّقاء ورحلة التّسوّق. منذ ألفين وثلاث وعشرين سنةً تجسّدَ إلهُنا الحَبيب، وصارَ إنسانًا، مثلَنا، طفلًا جاءَ يعلّمنا أعظم النّعم وهي المحبّة. وُلِدَ، وصُلِبَ وماتَ، ثمَّ قامَ، ليسيرَ أمامنا دربَ الحبّ اللامتناهي، أمسِ واليوم وإلى الأبد. فكيفَ استقبلناه في الماضي؟ وكيفَ نستقبلُهُ اليوم؟ وأين نحن من شعلة الحبّ الّتي أودعها بين يدينا؟
في تلكَ الليلةِ، بشَّرَ الملاكُ الرُّعاةَ فذهبوا مُسرعين للقاء الطّفل المُخلّص. لم يتردّدوا ولم يتأخّروا، بل هبّوا، بثيابهم المتواضعة، للقائه. ثمَّ أضاءَ النّجمُ عيونَ المَجوس، فتبعوهُ وذهبوا من المشرق إلى أورشليم، ليسجدوا أمام الملك ويقدّموا له الهدايا. وعلى مرّ السّنين، صَعِدَ النّسّاك إلى الكهوف والصّوامع ليلتقوا بيسوع في أحضان الطّبيعة، وصلّى القدّيسون وعاشوا الحبّ في حياتهم وقدّموه هديّةً لكلّ أولاده هؤلاء الصّغار. اجتمعَ المؤمنون في الكنائس، وصلّوا معًا وتناولوا جسد يسوع، ليكون زادًا لهم في حياتهم، فيعيشوا الحبّ كما أوصاهم، الأهل في أسَرِهم، والعمّال في مهنهم، والرّعاةُ في حقولهم. البعضُ عاشَ الألم في حياته، فتمسّك بالصّليب وقال "مع آلامك يا يسوع"، والبعض الآخر قرّرَ أن يهتمّ بالمرضىى والمعوزين والحزانى؛ كلٌّ قابلَ يسوع بطريقته.
ولكن، مقابلَ هذا الإيمان وهذه الرّحلات المختلفة، وجنبًا إلى جنبٍ مع العمق، تقفُ السّطحيّةُ، وتعلو أصواتُ الزّمامير على أصوات التّرانيم. يقتربُ عيدُ الميلاد، فتمتلئ الطّرقات والمجمّعات التّجاريّة و"السّوبرماركات" بالمتسوّقين، وتفرغ القلوب من الإيمان الحقّ. ينشغلُ الجميعُ باختيار الثّوب الأجمل للعيد، متناسين سبب العيد. تتجمّع الهدايا تحت الشّجرة، وتتفرّقُ الأيدي التي عليها أن تُضَمَّ للصّلاة. الفرحُ جميلٌ، والاحتفال بالفرح أجمل، و"العجقة حلوة"، لكنَّ روحنا إن لم تتنقَّ بالحقيقة، فسوف تكبّلها المظاهر المزيّفة وتُعميها عن رؤية النّور الحقيقيّ. صاحب العيد هو يسوع الذي جاءَ ليغمرنا بالحبّ، ويجمعنا بحبّ بعضنا لبعض، فلا تنسَوا أن تخبروا أبناءكم قصّة الحبّ قبل قصّة "بابا نويل"، ولا تنسوا أن تُطعِموا فقيرًا قبل أن تمدّوا الموائد. لا تملأوا الطّرقات والمحالّ فقط، بل املأوا الكنائس بالصّلاة، والبيوت بالمحبّة، والقلوب بالإيمان.
بين الأمس واليوم، وإلى الأبد، يسوع هو عيد الحبّ، فلنكن نحن أيضًا، اليوم وغدًا، رُعاةً يركضون نحوه، وقدّيسين يعيشون كلمته في كلّ لحظة من حياتهم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك