كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
يكمن الجديد في المشهد السياسي اللبناني في أنّ التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون أتاح لمؤيديه إدراج اسمه على لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، وأبقى حظوظه الرئاسية قائمة بخلاف إرادة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب السابق جبران باسيل الذي استخدم كل ما لديه من سلاح لمنع تأجيل تسريحه من الخدمة العسكرية لشطبه من لائحة المرشحين المتسابقين إلى بعبدا.
لكن المشهد السياسي لم يتبدل طالما أن التأزم لا يزال يحاصر إنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس جديد بالتلازم مع عدم نضج الظروف السياسية الخارجية لملء الشغور الرئاسي الذي يدخل بعد أيام شهره الخامس عشر، وإن كانت اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر باتت على اقتناع بترجيحها الخيار الرئاسي الثالث كممر إلزامي لإخراج انتخابه من المراوحة.
ومع أن تأجيل تسريح العماد عون أدى حتماً إلى تمديد حظوظه الرئاسية باعتباره واحداً من أبرز المرشحين، فإن الخيار الرئاسي الثالث لم يتبلور حتى الساعة، ويقتصر الآن من وجهة نظر الموفد الرئاسي الفرنسي، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، على أن يكون من خارج المتنافسين على الرئاسة الأولى، رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، والوزير السابق جهاد أزعور، بذريعة أن هناك استحالة أمام أحدهما للحصول على التأييد النيابي المطلوب لانتخابه رئيساً.
في هذا السياق، يتوقف مصدر سياسي بارز أمام قول رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأن انتخاب الرئيس يبقى شغله الشاغل فور انتهاء عطلة الأعياد، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن ما نُقل عنه لا يعني أن الطريق أصبحت سالكة سياسياً لانتخاب الرئيس، بمقدار ما أنه يتوخى من كلامه هذا حث النواب على إعادة تشغيل محركاتهم وصولاً للتلاقي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، مستفيداً من تقاطع الموالاة والمعارضة على التمديد لقادة الأجهزة الأمنية لعله ينسحب على انتخاب الرئيس بترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث.
ويلفت المصدر السياسي إلى أنّ بري يحاول أن يستبق الدعوات النيابية لإعادة فتح أبواب المجلس النيابي لعقد دورات انتخاب متتالية لانتخاب الرئيس، ويقول بأن لا شيء يعيق تقاطع الموالاة والمعارضة أسوة بما حصل بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية، تحديداً لجهة التشاور بعقد لقاءات نيابية، أكانت ثنائية أو ثلاثية.
ويؤكد أن لدى بري رغبة بتحريك المياه الراكدة بإعادة تفعيل المشاورات النيابية بعد أن أخرج التمديد لقادة الأجهزة الأمنية من الاشتباك السياسي، وأعاد فتح قنوات الاتصال بالكتل النيابية المعارضة، وكان له دور في قطع الطريق على من يحاول تطيير الجلسة، في إشارة إلى «التيار الوطني الحر» في ظل انعدام التواصل معه، ويقول إن موقفه يأتي أيضاً استباقاً لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي إلى بيروت في الشهر المقبل، وهذا ما أبلغه إلى الكتل النيابية التي التقاها في زيارته الرابعة إلى بيروت.
ويضيف أنّ عودة لودريان إلى بيروت يمكن أن تتزامن مع استعداد قطر لإعادة تحريك وساطتها التي لا يبدو، كما يُنقل عن موفدها الدائم إلى لبنان، أن مهمته تتعارض مع الدور الذي يتولاه الموفد الرئاسي الفرنسي، ويرى أنه من غير الجائز ربط انتخاب الرئيس بما ستؤول إليه الحرب في غزة، لأن هناك ضرورة لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية كشرط لوضع لبنان على أهبة الاستعداد لمواجهة ما يتردد حالياً بأن المنطقة يمكن أن تخضع لرسم خريطة سياسية - ديموغرافية جديدة.
ويؤكد المصدر نفسه أن تصحيح الخلل الذي يعانيه لبنان على كل المستويات يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية كونه يوقف انهيار البلد ويسمح له بأن يكون على جهوزية تامة لمنع الأضرار التي يمكن أن تلحق به إذا تقررت إعادة رسم جديد لخريطة الشرق الأوسط، رغم أن لديه من التطمينات والضمانات الدولية ما يوفر الحماية لحدوده وعدم المساس بها.
ويقول إن «حزب الله»، وإن كان يمضي في مواجهة إسرائيل تحت عنوان مساندته لحركة «حماس»، فإن التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 لا يزال عالقاً على ما ستؤدي إليه الحرب في غزة، ما يعزز من منسوب المخاوف لدى عدد من الدبلوماسيين الغربيين في بيروت بما ستؤول إليه هذه الحرب، امتداداً إلى الجبهة في جنوب لبنان التي تشهد تصاعد وتيرة المواجهة بين الحزب وإسرائيل، والتي تنذر بتوسع الخروق لقواعد الاشتباك المعمول بها بين الطرفين منذ صدور القرار الذي وضع حداً لحرب تموز 2006.
ويبقى السؤال كيف سيتصرف لبنان الرسمي حيال المخاوف التي يتبلغها من عدد من الموفدين الأوروبيين، من بينهم وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي زارت لبنان أخيراً وعبّرت عن مخاوفها في ضوء ما سمعته في لقاءاتها في تل أبيب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأركان حربه من تهديدات بتوسعة الحرب لوضع حد لإصرار «حزب الله» على الجنوح نحو توسيع دائرة المواجهة بحيث تشمل المستوطنات الواقعة في العمق الإسرائيلي.
لذلك يسأل المصدر نفسه ما إذا كان ربط تنفيذ القرار 1701 بالحرب الدائرة في غزة سينسحب على الاستحقاق الرئاسي، بذريعة أن الجبهة المشتعلة في الجنوب قد لا تسمح بإعادة الاعتبار للاستحقاق الرئاسي بتفعيل الاتصالات النيابية بالتلازم مع الضغوط الدولية التي لم تتوقف لانتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، لأن لبنان بأوضاعه المزرية السائدة على كل المستويات لم يعد يتحمل المزيد من الانتظار.
فهل تأتي الضغوط الدولية بإنجاز الاستحقاق الرئاسي من باب رفع العتب، طالما أن الظروف الخارجية ذات التأثير المباشر على لبنان لم تنضج حتى الساعة ولم يحن أوانها، ولم يبق للكتل النيابية من خيار سوى التلاقي في منتصف الطريق لترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث الذي يتطلب من الجميع تقديم التنازلات التي تتيح له أن يرى النور، لأنها بتلاقيها تُحرج المجتمع الدولي وتضعه أمام مسؤولياته بإعطاء الأولوية لانتخاب الرئيس بمعزل عن الحرب الدائرة في المنطقة، خصوصاً وأنها بتوافقها تُسقط الذرائع الخارجية بأنها مستعدة لمساعدة لبنان شرط أن يساعد اللبنانيون أنفسهم، وبذلك تصبح الطريق معبدة وتكون سالكة، بخلاف اليوم، للانتقال بالبلاد إلى مرحلة التعافي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك