شكّل موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي اعتبر فيه "ان الخلاف القائم هو بين الولايات المتحدة وإيران، فما الذي يقدّمه لبنان البلد الصغير جداً أو يؤخّره في هذا الموضوع الذي يجب ألا نتدخّل فيه"، مؤشراً بالغ الدلالة الى أن الحكومة اللبنانية اختارتْ "الانحناء أمام العاصفة" التي تهبّ على المنطقة من بوابة تَعاظُم المواجهة الأميركية - الإيرانية في ضوء الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب حيال طهران وأيّدتْها دولٌ خليجية.
وما جعل كلام الحريري الذي أَطْلقه من روما بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مساء أول من أمس، يكتسب أهمية كبيرة أنه جاء في أعقاب خطاب ترامب الذي وضَع المنطقة على عتبة مواجهة جديدة لم تتضح أفقها وتتقاطع فيها الرغبة الأميركية - السعودية خصوصاً في احتواء نفوذ إيران المتعاظم وأدوارها في أكثر من ساحة عبر أذْرعها المتعددة وأبرزها "حزب الله".
وتوقّفتْ أوساط سياسية عند حرص الحريري على تأكيد "أن الحكومة لن تتفجر لأننا جميعاً نعمل لمصلحة لبنان" وتشديده على "أن واجبي كرئيس حكومة لبنان أن أجنبه أي أخطار، وعلينا الحفاظ على استقرار بلدنا وعلى هذا التوافق القائم"، معلناً "ان الموقف الأميركي واضح وصريح في ما يخص إيران ولا علاقة أو مساهمة لنا فيه، ويجب أن ننتظر ما الذي سيحصل في الأيام المقبلة. وأرى أن هذا الموضوع يستحقّ أن نجلس كحكومة وكدولة مع الأفرقاء السياسيين الآخرين للبحث في كيفية مقاربته. وبالنسبة إليّ، الحفاظ على هذا التوافق الحاصل في لبنان وعلى الاستقرار في البلد هو الأساس"، ومضيفاً "لسنا في أزمة في مواجهة هذا الموضوع. فالخلاف الحاصل اليوم هو بين هاتين الدولتين الكبيرتين وفي رأيي أنه لا يجب علينا أن نتدخل".
وفي حين ترى هذه الأوساط أن كلام رئيس الحكومة يعبّر عن رغبة خصوم "حزب الله" المشارِكين في السلطة بعدم الإطاحة بالتسوية السياسية التي تدخل نهاية الشهر الجاري عامها الثاني وذلك تفادياً لاستدراج مواجهة داخلية تضع لبنان في صلب المعركة ضدّ إيران بما يمكن أن يعزّز تمدُّد "حزب الله" وقبضته على الواقع اللبناني، تلاحظ ان مسار "الاستيعاب" الداخلي على أهميته لا يعني التقليل من وطأة الاحتدام من حول لبنان وتطايُر شظاياه الى قلبه نتيجة كون "حزب الله" أحد "الأهداف الذهبية" لخصوم إيران على المستويين الاقليمي والدولي، وبفعل ما أمْلاه تحصين التسوية السياسية من "ذوبان" الحدود بين الحزب والدولة.
وتشير الأوساط نفسها في هذا السياق الى المغازي الكبرى للاندفاعة السعودية على خط مناهضة إيران و"حزب الله"، وسط تحرّياتٍ لا تتوقف عن المدى الذي ستبلغه هذه الاندفاعة التي تحمل في أحد وجوهها عنوان "لن نترك لبنان لإيران"، ملاحِظةً ان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان ماضٍ في سياسة مقارعة "حزب الله" من خلال "برقيات" متوالية عبر "تويتر" وحمل آخرها الذي كتبه بعد خطاب ترامب رداً ضمنياً جديداً على الإطلالة الأخيرة للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي كان هدّد بـ "قطع اليد التي ستمتدّ الى لبنان".
فالسبهان، المكلّف الملف اللبناني، غرّد عبر حسابه على "تويتر" قائلاً: "بكلّ تأكيد، المملكة تؤيد جميعَ السياسات المحاربة للإرهاب ومصدره وأذرُعِه، وعلى دول المنطقة جميعاً ان تتّحد في مواجهة قتلِ الشعوب وتدمير السِلم الاهلي"، مضيفاً: "لا يتوقع حزب الإرهاب ومَن يحرّكه أنّ ممارساته القذرة ضدّ المملكة ودول الخليج ستكون بِلا عقاب، والمملكة ستقطع يد مَن يحاول المساس بها."
وفيما لفت (حتى عصر أمس) غياب أي موقف من "حزب الله" تعليقاً على خطاب ترامب، اعتبرتْ الأوساط السياسية أن الحزب، الذي لا يتوانى عن الردّ في الخارج، مرتاح إلى الوضعية اللبنانية التي يتحكّم بمفاصلها نتيجة موازين القوى التي كرّسها تَراكُمياً على مدى الأعوام الماضية، وهو ما يرجّح في ظل استكانة خصومه إلى خيار "الصمود في الستاتيكو" الحالي، استمرار التهدئة الداخلية والتفرُّغ لملفات مالية واقتصادية مثل الموازنة العامة التي يخصص البرلمان لإنجازها (للمرة الأولى منذ 12 عاماً) 3 أيام من المناقشات الأسبوع الطالع، في محاولة لتأكيد ان التوافق السياسي "يُنجِز" وان التسوية أكثر من ضرورية، وهو الجانب الذي سيكون حاضراً في الكلمة التي يستعدّ الرئيس اللبناني العماد ميشال عون لتوجيهها الى اللبنانيين في 31 الجاري لمناسبة مرور عام على انتخابه متضمّنة "جردة" بما شهدته السنة الأولى من عهده، وعلى أن يرسم فيها ايضاً "خريطة طريق" المرحلة المقبلة وأبرز عناوينها.
وتوقفت الأوساط عيْنها عند ملامح إيجابيات غمز من قناتها الرئيس الحريري في ما خص ملف النازحين السوريين الذي كانت برزت إشارات من الذين يدفعون باتجاه التطبيع مع النظام السوري من بوابته الى رغبةٍ بعدم جعْله "شرارة تفجيرية" للوضع الدخلي في ظل "العصْف" الاقليمي. فرئيس الحكومة أكد وجود "توافق لبناني لمعالجة موضوع النازحين وإن شاء الله نصل إلى خواتيمه"، مضيفاً "أرى أن هناك توافقاً كبيراً في الحكومة حول هذا الملف. هناك بعض التفاصيل التي يجب أن نصل إليها، ولا تخافوا، هذه الحكومة لن تنفجر لأننا جميعاً نعمل لمصلحة لبنان."
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك