في اليوم التاسع للحراك الشعبي، دخل العامل السياسي - الخارجي إلى الحلبة. بعدما برّأ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالته الأولى، الطوفان الشعبي من "لوثة" الدعم الدولي والاقليمي، عاد، في إطلالته الثانية، ليغلّب "نظرية" المؤامرة على الطابع العفوي، متحدثاً عن استهداف سياسي ودولي للبنان.
هكذا، أخذ نصرالله الحراك الشعبي إلى مكان آخر. في الإطلالة الخامسة لأحد مكونات السلطة، بعد الظهور على التوالي لكل من رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، نقل الأمين العام لـ"حزب الله" "الاشتباك" إلى ضفّة مختلفة كلياً.
ما كادت تمر أربع وعشرون ساعة على "الثغرة" التي أحدثتها مبادرة رئيس الجمهورية في جدار الأزمة، من خلال إشارته في كلمته المتلفزة إلى أنه "بات من الضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي، كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الاصول الدستورية المعمول بها"، حتى قلب خطاب "السيد" معادلة الحلّ رأساً على عقب.
أعلنها نصرالله بالفم الملآن، وأقفل الباب مجدداً أمام أي معالجة قد تكون على "ضهر" الحكومة سواء من خلال تطييرها أو "تطهيرها" من بعض "الوجوه"، ورسم خطاً أحمر عند حافة الفراغ الذي يوصل إلى الانهيار والفوضى، كما أنّ سياق كلامه ألبس الأزمة لبوساً سياسياً سيصعب فكفكة عقده ضمن الأطر الموضعية، كما طُرح خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما صارت "المقاومة" ضمن عناصر "وقود" الحراك الشعبي، وفق "خطاب اليوم التاسع".
عملياً، خرجت الانتفاضة الشعبية التي افترشت الطرق، من مربعها المطلبيّ الاحتجاجي، وانتقلت إلى مربع الصراع السياسي، أقله إلى أن تثبت براءتها، بفعل "مضبطة شكوك" سجّلها "حزب الله" نتيجة تسلل أجندات سياسية إلى الحراك الميداني، كما تبيّن من كلام نصرالله.
يقول أحد المؤيدين لقوى الثامن من آذار، إنّ خطاب الأمين العام يُختزل بخشية "حزب الله" على المقاومة بعدما فقدت الاحتجاجات الشعبية شيئاً من عفويتها وبراءتها، بفعل دخول قوى حزبية وخارجية على خطّ الشعارات والتنظيم، تعمل على حرف الانتفاضة باتجاه عناوين سياسية خلافية.
ويشير إلى أنّه حتى لو منح نصرالله الحراك الشعبي لحظة انطلاقه صكّ براءة يسقط عنه مظاهر التدخل الخارجي، إلا أنّه لا يمكن فصل المشهد اللبناني عن ذلك العراقي عشية انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. يلفت إلى أنّ تزامن التطورات الميدانية التي تأخذ شكل احتجاجات شعبية، في كل من العراق ولبنان، يدفع "حزب الله" إلى تشغيل "راداراته" الراصدة لأي إشارات مشبوهة، والإحاطة بالحراك الشعبي بجدار من الأسئلة والشكوك والخلفيات عما يمكن أن تكون عليه الخطوة التالية.
بهذا المنحى يمكن فهم تحرك "حزب الله" المضاد والذي اتخذ القرار فيه في اليوم الثامن للطوفان الشعبي، كما يقول المطلعون على موقفه، إذ دفعت التطورات قيادة "الحزب" إلى اللجوء إلى لعبة الشارع، على خطورتها، من باب الحفاظ على التوازن بعدما تبيّن أنّ ساحات الحراك والقيّمين عليها رفضوا إلى الآن، ما تقدّمت به السلطة وتحديداً الورقة الاصلاحية التي تمّ اقرارها في مجلس الوزراء والتي تشكل انجازاً نوعياً في سلوك السلطة التنفيذية.
ويشيرون إلى أنّ السلطة قدّمت ما تستطيع تقديمه، لافتين إلى أنّ حماية "حزب الله" للحكومة هي من حمايته للعهد الذي يعتبره عهده، وهو لن يقبل بالتفريط به أو بضربه تحت أي ضغط، ذلك لأنّ معادلته تعكس تطور موازين القوى السياسية والتي يشكّل "حزب الله" لبنتها الأساسية. ولهذا حين يُسأل مسؤولو "حزب الله" عن التغيير الحكومي يجيبون بشكل حاسم: لا تغيير حكومياً، لا بل كل المؤشرات تدل على انسداد الأفق.
تُبنى هذه الخلاصة، وفق المطلعين، على أساس المنطق القائل إنّ الانتفاضة الشعبية تلوّثت بجرثومة السياسة، وإنّ قوى مسيحية، وتحديداً "القوات" و"الكتائب"، يقودان الحراك في المناطق المسيحية ويحرفانه عن هدفه الأساس، ليصب في خانة تصفية الحسابات التي قد تعود بالمشهد الداخلي إلى لحظات الاصطفاف العمودي حول سلاح "حزب الله".
بناء عليه، يقول المطلعون على موقف "حزب الله" إنّ السلطة باتت تحاذر تقديم مزيد من التنازلات التي ستجرّ تنازلات إضافية، كون الرأي العام الثائر يتصرّف بمنطق الرافض لأي خطوة تقدم عليها السلطة طالما أنّ هناك عوامل سياسية دخلت على الخط. ولهذا يسود الحذر، وفق المطلعين، من القيام بتسوية سياسية "على الساخن" بانتظار هدوء الصخب في الشارع والشروع في الاصلاحات السياسية، بعد انطلاق قطار الاصلاحات الاقتصادية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك